تركيا, دولي, أخبار تحليلية

التصنيفات الغربية لتركيا في ميزان الواقعية (تحليل)

سيل من الإحصاءات التقليدية أو الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لفتت الأنظار مؤخرا.

16.03.2018 - محدث : 16.03.2018
التصنيفات الغربية لتركيا في ميزان الواقعية (تحليل)

Istanbul

إسطنبول / إحسان غورصوي / الأناضول

سيل من الإحصاءات التقليدية أو الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لفتت الأنظار مؤخرا، إذ تنشر الكثير من المؤسسات والهيئات المستقلة نتائج إحصاءات في المجالات كافة، ومن ثم يتم نقل هذه النتائج بالسرعة القصوى إلى الشارع التركي الذي ينشغل بها، وهو على حق، نظرا إلى أعدادها الكثيرة.

فعلى سبيل المثال، هناك إحصاء يقول إن تركيا تأتي في المرتبة 88 عالميا من حيث جودة توريد الكهرباء، وذلك على الرغم من الحملات المكثفة المستمرة لتمديد التيار الكهربائي في البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبالنظر إلى المراتب الأعلى في التصنيف، نجد دولا يُشك في امتلاكها لشبكة كهرباء حقيقية.

وحول القدرة على جذب المهارات والكفاءات، صنف منظمو الإحصاءات تركيا في المرتبة 103 عالميا، على الرغم من كون المدن التركية الكبرى مصدر جذب ليس لأهالي المدن الشرقية فقط، إنما للكثير من الخبراء الغربيين أيضا.

إحصاء آخر يرى أن تركيا تحتل المرتبة 105 من حيث تعليم المرحلة الابتدائية، وبذلك فهي لا تقع خلف الدول الغربية فقط، إنما خلف العديد من بلدان العالم الثالث.

أما بخصوص جودة تعليم الرياضيات والمواد العلمية، فتأتي تركيا بالمركز 104، وذلك دون تقديم أدلة مقنعة حول تخلفها عن دول قد لا توفر التعليم في هذه المواد، ولكن وبشكل مثير للغرابة، ترتقي تركيا عدة درجات في الترتيب لتحل بالمركز 99 بالنسبة إلى جودة التعليم، متخلفة عن دول تمتلك مدارس بالحد الأدنى بسبب إما ظروف الحروب، أو قلة الموارد المادية.

دراسة أخرى بشأن مستوى وضع المرأة، صنفت تركيا بالمرتبة 105 عالميا، ولدى النظر إلى الدول التي تسبقها، نرى بعض الدول التي لا تعترف بشكل رسمي بحقوق المرأة حتى اليوم.

وبخصوص المساواة بين الجنسين، هناك إحصاء يشير إلى أن تركيا تأتي في المرتبة 138 عالميا، خلف عدد من الدول التي تشتهر بختان الإناث.

** "الأرقام لا تكذب"

لدى معاينة مصادر هذه الإحصاءات، نجد أن الكثير منها يرجع إلى منظمات دولية أو شركات ذات مكانة هامة، وباعتبار أن الأرقام لا تكذب، يعد الوضع غريبا للغاية، فالفرق بين صورة الدولة التي شكلتها الإحصاءات والبلد الذي نعيش فيه، ليس بحجم الجبال فقط، إنما على بُعد عصور.

إذا تحدثنا على وجه العموم، فإن صورة تلك الدولة التي شكلتها الإحصاءات قد ترجع إلى دولة في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وحروب الاستقلال، في حين لا يمكنها أن تعبر على الإطلاق عن تركيا الحالية التي تتمتع بمستوى عال من التطور والرفاهية.

بالتدقيق في الإحصاءات آنفة الذكر، نجد أن هناك جزئية تلفت الانتباه، وهي عندما يكون موضوع الدراسة سلبيا فإنه يتم تصنيف تركيا ضمن القائمة على الدوام، على عكس الوضع عندما يتعلق الإحصاء بنقطة إيجابية، من الصعب رؤية تركيا ضمن القائمة.

وهنا يمكننا القول إن "الأرقام لا تكذب، لكن الكذابين يعلنون الأرقام".

** الإحصاء والواقعية

على الرغم من أن الإحصاءات تستند إلى أسس موضوعية وتتمتع بأسلوب محدد، إلا أن طريقة عرض واستخدام المعلومات خلالها هي موضع نقاش على الدوام، حيث يمكن هنا تلخيص علاقة الإحصاء بالعلم من خلال مقولة سابقة مفادها "العلم بالنسبة إلى الإحصاء كحال أعمدة إضاءة الشارع بالنسبة إلى شخص ثمل، فهو لا يستخدمها ليستنير بها، إنما ليستند إليها".

مع مرور أكثر من 50 عاما على صدور كتاب "كيف تكذب بواسطة الإحصاء / with Statistics How to Lie"، يبدو من الواضح أن الشكوك حول استخدام هذا "العلم" وسيلة للكذب موجودة منذ البداية.

فعندما يتناول الإحصاء موضوعات ذات أبعاد متعددة كالنسيج الاجتماعي، والتطور الاجتماعي والتنمية، كثيرا ما نرى كيف تتحول المعطيات لتصبح بعيدة عن الواقع.

وتبدو وجهة نظر رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل في هذا الصدد مؤثرة للغاية، حيث قال "أنا لا أصدق سوى نتائج الإحصاءات التي أعدها بنفسي".

سياسي بريطاني آخر هو بنجامين دزرائيلي، علق على الإحصاءات بالقول "هناك 3 أنواع للكذب، كذبة بسيطة، وكذبة كبرى، والإحصاء".

** الأكاذيب

عند النظر إلى الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام الغربية تجاه تركيا سابقا، كانت تظهرها على أنها بلد متخلف للغاية. كان الأتراك في الخارج يتعرضون لأسئلة في غاية الحماقة من قبيل "كم زوجة لدى والدك؟"، و"هل يوجد في بلدكم فنون جميلة؟"، و"كيف سمحت عائلتك لكِ بالقدوم إلى هنا بمفردك؟".

ومع الزمن، عندما بدأت شرائح المجتمع الغربي تطلع على مصادر معلومات أخرى غير وسائل الإعلام التقليدية، ومع نجاح تركيا في جذب السياح الغربيين، اختفى ذلك التصور حول تركيا، على الأقل الأفكار الحمقاء منها، لتحل محلها الأكاذيب الكبرى.

** الأكاذيب الكبرى

ليس لدينا مساحة وزمان كافيان لسرد تاريخ الأكاذيب ضد تركيا، لذلك سنذكر منها المعاصرة فقط، وأبرزها حملة مضللة تمتد لنحو 40 عاما، مفادها أن "تركيا تحارب الأكراد"، بدلا من قول إن "تركيا تحارب الإرهاب"، حيث أعيد استخدام هذا الادعاء مجددا مع إطلاق الجيش التركي عملية غصن الزيتون لتطهير منطقة عفرين من إرهابيي "ب ي د / بي كا كا".

وتفرد معظم وسائل الإعلام الغربية مساحات واسعة للأخبار الكاذبة التي ينتجها التنظيم الإرهابي وأنصاره في إطار الحملة الإعلامية المضادة لـ "غصن الزيتون".

بحسب دراسة أعدها الباحث "متين إيرول" في مركز سيتا للدراسات والأبحاث، حملت عنوان "غصن الزيتون في الإعلام الغربي"، وشملت 18 وسيلة إعلامية إلكترونية غربية، فإن 20 بالمئة فقط من أصل 910 أخبار تم نشرها في الفترة ما بين (20 يناير / كانون الثاني ـ 13 فبراير / شباط)، حمل طابعا مؤيدا للعملية العسكرية ضد التنظيم الإرهابي.

أكذوبة كبرى أخرى أخذت حيزا واسعا في الإعلام الغربي خلال السنوات الماضية، تزعم أن "تركيا على علاقة مع تنظيم داعش الإرهابي".

** الإحصاء

إثر تفنيد وسائل الإعلام التركية وعلى رأسها وكالة الأناضول للأخبار الكاذبة أولا بأول، يبدو من الواضح أن قوى الشر التي تشن حملة التضليل الإعلامي بدأت باتباع طرقا أكثر خداعا.

يمكننا القول في الختام، إن الحملات الإحصائية التي تحاول تشويه صورة تركيا، تهدف إلى زعزعة ثقة شعبها، والتأثير سلبا على نفسية المجتمع، لكن المؤسف في هذا الأمر أن هناك شريحة مثقفة "محلية" مستعدة لتصديق هذه الأكاذيب.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.